العواطف

Author: هــــوازن... /




العـــواطــــف


أين الفرح وأين الحزن..؟ هل الفرح الأعظم هو الفرح المُتعارف عليه أي فرحة الزفاف وشهر العسل؟!... وهل الحزن الأكبر هو الحزن على الميت وشهر العلقم؟.... لماذا حياتنا مأتم وندب متواصل على مدى الأيام؟ هل أسكتتنا الأحزان وسكنت فينا أم نحن من استضفناها؟
نعم نحن من نسينا الفرح منذ زمن بعيد فتناسانا الفرح منذ زمن أبعد..
لقد نصبنا للتعاسة خياماً في نفوسنا وأخذنا نشكو ونندب.. لأن التعاسة تعطيك عدة أشياء لا يمكن للسعادة أن تقدّمها...!
التعاسة بناء وغذاء للأنا، إنها تمنحك أنا متعالية متعاظمة، أنا متورّمة متوذّمة... أما السعادة فعلى النقيض من ذلك.. إنها تأخذ كل ما لديك، وكل ما أنت عليه من تعالٍ وتفاخر..
إنها انعدام الأنا وفناؤها، التحرر والانعتاق والانطلاق من الذات المحدودة التي هي لا شيء، والذوبان في الذات الكلية التي هي كل شيء...

ولهذا يصعب على الناس العيش بسعادة.. واتخذ الملايين منهم قراراً بأن يعيشوا في حالة تعاسة وكآبة مستمرة لتكون الأنا في ذروتها القصوى والعظمى.. أنا تعيس... أنا حزين....
التعاسة تعطيك صفة محددة أما السعادة فليس لها أي تحديد أو تعريف... تجعلك تنسى نفسك لتذوب وتفنى في محيط الكون اللامحدود، لتصبح حياتك موصولة بكل حياة وكل وجود...

السعادة ظاهرة كونية أبعد من الصفات والحياة والممات.. الأشجار.. والطيور.. والحيوانات، كلها سعيدة والوجود كله سعيد... ما عدا هذا الإنسان العنيد..! في هذا العالم إنه المرض الوحيد، وحده يخالف نظام الكون ليصبح متميزاً جداً بتعاسته وشقائه... ويعتقد أنه الكائن الفريد!؟

بهذه التعاسة تستطيع جذب اهتمام الآخرين، سيسعى الآخرون لخدمتك ومحبتك والعطف عليك...
فمن يرغب بإيذاء التعيس؟ من يغار منه؟ ومن يُعاديه؟
التعيس يُحَبّ، يُخدم، وينال كل العطف والاهتمام... وهذه تجارة رابحة في التعاسة!
إذا لم تكن الزوجة تعيسة وحزينة، فإن الزوج يميل إلى نسيانها ببساطة... وإذا كانت تعيسة فلا يمكنه إهمالها أو تجاهلها...
كذلك إذا كان الزوج حزيناً.. تعيساً مكتئباً... فإن العائلة والأولاد كلهم سيلتفّون من حوله.. سيهتمون به ويقلقون عليه، فيشعر بالراحة والاطمئنان ويهرب من وحدته...

عندما تكون مريضاً سيزورك الأصدقاء ويواسونك، ولكن عندما تشعّ فرحاً وابتهاجاً فإن الأصدقاء ذاتهم سيغارون منك ويُعادونك... وستتفاجأ أن العالم كله قد أصبح معادياً لك...!

لا أحد يحب الإنسان السعيد، لأن سعادته تجرح الأنا عند الآخرين الذين سيقولون في ذاتهم:
"فإذاً،،، أصبحتَ سعيداً ترقص ولا تنام... ونحن لا نزال نتخبّط في البؤس والنار والظلام؟؟!... كيف تجرؤ أن تصبح سعيداً ونحن جميعاً في هذه التعاسة والآلام!"

وطبعاً يغرق العالم كله في بحر الأحزان لأن لا أحد لديه الجرأة والشجاعة الكافية ليجعل العالم كله ضده.. فهذا يحتاج إلى مجازفة كبيرة ومغامرة خطيرة... ولهذا تتمسّك بالبؤس لتبقى جزءاً من هذا القطيع وهذا الجمهور المتجمهر في التابوت: هندي.. عربي.. ياباني.. أميركي.. سني.. شيعي.. مسيحي.. يهودي... هندوسي...

هل السعادة هندوسية، مسلمة، أم مسيحية؟؟

السعادة ببساطة هي السعادة... شيء ينقلك إلى عالم وبُعد آخر، فلا تعود جزءاً من هذا العالم المحصور المحدود، الذي صنعه الفكر البشري المشوش المسدود... ولا جزءاً من التاريخ البشع الحافل بالتعصّب والحروب...
في لحظات السعادة العارمة ستتجاوز الزمان والمكان والأفكار إلى مدى أفسح وأرحب... إلى المدد والخلود باتصالٍ مع الكون الممتد دون حدود...

قال أينشتاين أن العلماء قد اعتقدوا في الماضي بوجود حقيقتين أو كينونتين: الزمان والمكان... لكنه قال أن هاتين الحقيقتين ليستا اثنتان، بل وجهان لحقيقة واحدة... لهذا قام بجمع الكلمتين في مصطلح: الزمان-المكان.... والزمان ليس إلا البُعد الرابع للمكان...

أينشتاين لم يكن حكيماً أو صوفياً... وإلا لَعَرف وشرح الحقيقة الثالثة أيضاً وهي الحقيقة التجاوزية. إنها موجودة، وأدعوها هنا: حقيقة الشاهد... عندما تتواجد هذه الحقائق الثلاثة سيكون لديك كامل الثالوث المقدس: المكان، الزمان والشهادة...

الواقع رباعيّ الأبعاد والأعداد: ثلاثة أبعاد للمكان والبعد الرابع هو الزمان...
لكن هناك شيء آخر، لا يمكن أن يقال عنه الخامس لأنه ليس بعداً... إنه الكليّة التجاوزية بكاملها في الوعي... التكامل والتوسّع الغير منتهي...

عندما تكون سعيداً ستدخل في الحال... في التجاوز من نهر الأقوال إلى محيط الجمال، وهو مستقل عن كل المجتمع وعاداته وتقاليده وغيرها من الحبال، ولا علاقة له حتى بالفكر والسؤال...

فقط انظر إلى تعاستك وراقب... وستكون قادراً على إيجاد أسبابها... بعدها انظر إلى تلك اللحظات التي سمحتَ فيها لذاتك بالفرح والرقص، وانظر ما هي الاختلافات بين الحالتين.
هذه هي الاختلافات: عندما تكون تعيساً تكون ملتزماً بالشرائع والقوانين... والمجتمع يحب هذا، الناس ستحترمك كثيراً وحتى من الممكن أن تصبح قديساً.. لهذا جميع رجال الدين تجدهم تعساء... والبؤس مكتوب على وجوههم وفي أعينهم...
لأنهم تعساء تجدهم يُعادون أنواع المُتع والفرح وروح الاحتفال.... يُدينون كل شيء مفرح كما في الهندوسية مثلاً، ويعتبرون أيّ إمكانية للفرح من أعظم الذنوب...
تعساء... ويرغبون برؤية العالم بكامله يعاني نفس البلاء... وفي الواقع، هؤلاء الأشخاص لن يظهروا كقديسين إلا في عالم مليء بالتعاسة والإحباط.
أما في عالم سعيد فسيُرسلون إلى مستشفى الأمراض العقلية!.. لأنهم مرضى وحالتهم مستعصية!

لقد رأيتُ الكثير من رجال الدين ومن مختلف الأديان والبلدان، ونظرتُ إلى حياة القديسين السابقين...
إن 99% منهم شاذون منحرفون عن الطبيعة.. مرضى نفسياً وعصبياً... لكنهم محاطون بالتبجيل والتهليل... تذكّر أنهم مُحترمون من أجل تعاستهم...

كان بعض القديسين العظماء يصومون لفترات طويلة لمجرد أن يعذّبوا أنفسهم، لكن هذا لا يحمل أي دليل حتى على ذرة ذكاء! لأن الصيام لن يكون صعباً إلا في الأيام الأولى فحسب، حيث سيجدون بعض الصعوبة في الأسبوع الأول أما في الأسبوع الثاني سيغدو الأمر سهلاً جداً.. في الثالث سيصعب عليهم تناول الطعام، وفي الرابع سيصبح أمر الطعام منسياً تماماً...
سيستمتع الجسم بهضم ذاته، وسيشعر بخفة الوزن مُرتاحاً من مشاكل الهضم، وستصبح الطاقة التي كانت تصرف في عملية الهضم تحت تصرف الدماغ... تستطيع أن تفكر وتركّز بعمق أكثر، وتستطيع أن تنسى جسمك واحتياجاته...

لكن هذه الأمور خلقتْ أناساً تعساء، ومجتمعاً بائساً يعجّ بالشقاء، يحظى فيه المكتئب التعيس بالاحترام والتعاطف والأصدقاء، في حين يُقابل السعيد بالحسد والغيرة والعداء...

كان أول شخص اكتشف الصيام، حكيماً قديماً عاش قبل عشرة آلاف سنة... وهو لم يصم تطبيقاً لشريعة أو تقليد... لكنه كان في حال التأمل والوصال.... كانت سعادته ونشوته كبيرة جداً... لدرجة أنه لم يشعر بالجوع! نسي الطعام بسبب هذا السلام، ولم يأكل أو يشرب أي شيء لثلاثة أيام.... هكذا نبعت السعادة من داخله فظهرت كعبادة...

تمعّن في تعاستك وستجد فيها أشياءً أساسية مترسّخة... التعاسة تعطيك الاحترام، ويشعر الناس بالتعاطف معك والتقرّب إليك، وستحصل على مزيد من الأصدقاء إذا كنتً تعيساً...
إنه لعالم غريب عجيب... فيه شيء أساسي خاطئ تماماً.. يجب ألا يكون الوضع هكذا.
الإنسان السعيد يجب أن يحصل على أصدقاء كثر، لكن كُن سعيداً وستجد أن الناس قد تحوّلوا من أصدقاء إلى حسّاد غيورين... يشعرون أنهم قد خُدعوا وجُرحوا في الصميم... لقد حصلتَ على شيء غير متاح لهم، ولا يروه حتى في أحلامهم...
لماذا أنت سعيد؟؟

وهكذا تعلّمنا عبر العصور آليةً خفيّة ودقيقة:
كبت السعادة وتكبيلها.. وإظهار التعاسة وتبجيلها...
وأصبحت هذه جزءاً من طبيعتنا النفسية.

الحل هو أن نرمي تلك الآلية بكاملها... عليك تعلّم كيف تكون سعيداً، وتعلم كيف تحترم الناس السعداء وتعطيهم اهتماماً أكثر... وهذه خدمة كبيرة للبشرية.
لا تتعاطف كثيراً مع الناس التعساء...
إذا كان أحدهم تعيساً، ساعده لكن دون تعاطف وعواطف مهترئة...
لا تعطه فكرة أن التعاسة شيء ذو قيمة...
دعه يعلم جيداً أنك تساعده، لكن: "هذا ليس ناتجاً عن الاحترام، بل ببساطة لأنك تعيس"
وأنت هنا لا تقوم بأي شيء سوى محاولة إخراج ذلك الشخص من بؤسه، لأن البؤس شيء بشع.
دع الشخص يشعر بأن التعاسة شيء قبيح فعلاً، وأن تكونَ تعيساً ليس فضيلة أو حسنة أبداً، وأنه بذلك: "لا يُقدّم خدمة جليلة للبشرية!"

كن سعيداً... احترم السعادة...
ساعد الناس على فهم أن السعادة هي هدف الحياة وهي أروع عبادة...
قال حكماء الشرق قديماً أن الله له ثلاث صفات: الحقيقة والوجود، الوعي والإدراك، وفي قمة السمو يكونً جنة من البهجة والسعادة...
حيثما توجد السعادة يوجد الله وتوجد اليقظة والموت والولادة...
عندما ترى شخصاً فرحاً، احترمه، ليس لأنه قديس.. بل لأنه مقدّس تمطره السماء بالأزهار...
وحيثما تجد احتفالاً ورقصة من الفرح والمرح على أنغام الغيتار...
انظر إليه كمعبد مقدس دون أي نظرة استفسار.... ولا تقف جامداً في مكانك تائهاً مُحتار!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.